التواصل التربوي

10:32 م
1.           التعريف:
يتحدد مفهوم التواصل في كونه عمليات تبادل الآراء والأفكار والمعارف بين الأشخاص لفظيا وغير لفظي. ولذلك يعرفه البعض بأنه "الميكانيزم" الذي تحدث بواسطته العلاقات الإنسانية وتتطور... ويتضمن تعابير الوجه وحركات الجسم ونبرات الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات...[1] ونظرا لأهمية التواصل، فقد تعددت النماذج التي توضح مفهومه وتبرز مكوناته. ولعل من أبرزها النموذج الذي وضعه العالم الأمريكي لاسويل (Lasswel) وبناه وفق الصيغة التالية[2]:
 الأستاذ                  رسالة                         دعامات                 مجموعة         تغيير


وتفيد هذه الخطاطة أن مرسلا يرسل رسالة على مستقبل لها، لكي يحدث لديه وقعا أو أثرا. ولذلك فإن هذا النموذج يوافق التصور السلوكي للعلاقة التواصلية.
وإذا ما حاولنا ترجمته إلى السلوك العلائقي بين الأستاذ المتعلم ونظرائه، فإننا نخلص إلى الخطاطة التالية:
 




وبما أن التواصل بين الأستاذ المكون ومجموعة المكونين ليس مقصودا لذاته، بل هو من اجل تحقيق وظائف تربوية – تثقيفية، فإنه يبقى من المفيد تحديد تلك الوظائف التي نقدمها كالتالي:


2.           وظائف التواصل:
يكمن إجمال وظائف التواصل بين الأستاذ والمتعلمين فيما يلي:
‌أ)       القسمة العادلة (partage):
المتواصلون يتقاسمون المكان والزمان والكلام والاهتمام...
‌ب)  التبادل (échange):
ويربط ذلك بالمعلومات والأفكار والانطباعات ووجهات النظر دون إغفال تبادل النظرات بين الأشخاص.
‌ج)    الكسب المزدوج (gagnant-gagnant):
التواصل الجيد الناجح هو الذي يتخذ شكل لعبة لا يكون فيها الربح الذي يحققه أحد العناصر نقصا من حصيلة الآخر، لأن التواصل يقوم بالأساس على جعل المتواصلين يكسبون جميعا.
‌د)     النقل (transfert):
ومعناه تبليغ فكرة أو معلومة أو خبر أو تجربة، اعتمادا على أداة من لدن الأستاذ، إلى المتعلم قصد استقبالها واضحة ومفهومه، لتوظيفها في حياته اليومية.
‌ه)     الأثر (impact):
ويقصد به الأثر الايجابي الذي يحدثه مضمون التواصل. ولذلك فإن هذه الوظيفية مرتبطة بالوظائف السابقة، إذ أن التبادل والتبليغ والقسمة العادلة كلها عمليات تهدف إلى إحداث تأثير يعمل على تغيير السلوك. فالتعيير، مثلا، عن تجارب أو خبرات ومعارف لا يجب أن يقتصر على نقل الرسائل بين المتعلمين، بل ينبغي أن يحدث تأثيرات في سلوكاتهم (تغيير السلوك).
إن تحقيق هذه الوظائف بشكل فعال يتطلب العمل على تجاوز بعض الحواجز التي قد تعترض عمل الأستاذ فينقلب إلى حالات من الإحباط. ولذلك يبقى من الضروري معرفة أهم هذه الحواجز.


3.           الحواجز التواصلية وقواعد التواصل الفعال:
يمكن تصنيف هذه الحواجز إلى صنفين: حواجز ذاتية وحواجز موضعية.
‌أ)       الجواجز الذاتية:
وهي التي يكون مصدرها الأستاذ نفسه. ويحدث ذلك عندما تنعدم مميزات التواصل الجيد التي منها:
§        الصوت من حيث شدته وقوته،
§        النطق السليم من حيث التلفظ ومراعاة مخارج الحروف،
§        وضوح الخطاب وشموليته،
§        الإيجاز غير المخل بالمعنى،
§        صحة المعلومات وتداوليتها عند أغلبية أفراد المجموعة،
§        مصداقية الخطاب.
‌ب)  الحواجز الموضوعية:
وهي التي ترتبط بالمجال، ومنها:
§        المكان الذي يحدث فيه التعلم. فكلما كان الفضاء غير مريح نفسيا وجسميا... كلما كان التواصل دون المستوى المرغوب فيه، وانعدم أثره الأيجابي،
§         التوقيت غير مناسب،
§        عدم ملائمة الموضوع للحاجات وانتظارات المتعلمين.
وابتعادا لكل عنصر قد يعتبر عامل تشويش، لابد من اعتبار وتعرف قواعد التواصل الفعال التي من أهمها:
ü     تداولية التعبير:
ويقصد بذلك ملاءمة التعبير لمستوى أفراد المجموعة، لأن التعبير عندما لا يكون ملائما للمستمع تقل حظوظ الإنصات إليه أو تنعدم. وليس معنى ذلك أن يكون الأستاذ خاطبا لامعا، بل عليه أن يجعل تعبيره في مستوى فهم مخاطبيه، أي اعتبار لغة المتعلمين التي قد تختلف من جماعة إلى أخرى.
ü     الإنصات:
ويعتبر دافعا أساسيا لشد اهتمام المخاطب بالموضوع. ولجعل المخاطب يدرك أننا ننصت إليه، لا بد من اتخاذ المواقف التالية:
¨     الالتزام بالهدوء: ويتجلى ذلك في:
§        عدم مقاطعة المخاطب، فسح المجال له للتكلم بحرية،
§        تحمل صمته وتوقفه عن الكلام، لأن سكوته أحيانا قد يكون مدعاة للتفكير أو بحثا عن كيفية تجاوز بعض الحواجز.
¨     التسامح، وأهم مؤشراته:
§        الحياد (لامعاتبة ولاتقريض) وكل ما يطلب هو التشجيع على الاستمرار في الكلام،
§        عدم الامتعاض من كلامه،
¨     التعاطف، ومن علاماته:
§        الانصات باهتمام بالغ،
§        الانشغال بالمخاطب دون الاهتمام بأشياء أخرى،
§        اعتماد كل المواقف التي تجعله يحس أننا ننصت إليه ونسعى إلى فهمه (التتبع المنتظم، أخذ أفكاره وآرائه مأخذ الجد،...).
¨     الإنصات، بكل أجزاء الجسم، ويظهر من خلال:
§        توجيه النظرات إلى المخاطب دون جعله يحس أننا نتفحصه،
§        توجيه الجسم نحوه،
§        تركيز الاهتمام حوله دون التشويش عليه كالعبث ببعض الأشياء،
§        التنفس بهدوء،
§        إظهار الارتياح والانبساط ونحن ننصت إليه.
4.           بناء الخطاب التواصلي:
لكي يتواصل الأستاذ مع المتعلمين بكيفية جيدة، ينبغي عليه أن يمتلك أربع مهارات أساسية هي:
§        كيفية انتقاء الخاطب التواصلي،
§        كيفية بناء الخاطب التواصلي،
§        كيفية تبليغ الخاطب التواصلي،
§        كيفية تقويم أثر الخطاب التواصلي في سلوك المتعلمين.
‌أ)       انتقاء محتوى الخطاب التواصلي:
يتم انتقاء مضامين الخطاب التواصلي في ضوء الأسئلة التالية: التي على الأستاذ استحضارها وهو يعد رسالته التعلمية:
§        من هم المخاطبون (المتعلمون) وما هي مواصفاتهم وخصوصياتهم...؟
§        ما هي معارفهم ومواقفهم وأنماط سلوكهم في الموضوع؟
§        ما هي خبراتهم السابقة؟
§        ما هي العناصر التي تشكل الأولوية عندهم (مستوى الخطورة ونوع التدخل)؟
§        ما هو مستوى التجانس العقلي/ الفكري والاجتماعي/ الثقافي بينهم؟
§        ما هي الحمولة السوسيوثقافية التي ينبغي اعتبارها داخل فضاء المحتويات؟
§        ما هي المفردات والصيغ والأفكار التي تلائم المتعلمين وتوافق مخيالهم وتمثلاتهم للواقع المعيش؟

‌ب)  شروط بناء الخطاب
لكي يكون الخطاب وقائيا وذا وقع إيجابي في مجموعة المتعلمين لابد أن يحرص الأستاذ فيه على:
§        إثارة اهتمام المتعلمين بأن يولد عندهم حاجات تشدهم إلى موضوع لتدمجهم فيه بالتدرج،
§        الإحاطة بكل جوانب الموضوع وأبعاده، في شكل نسقي تفاعلي،
§        إبراز الأساليب الناجعة المعتمدة في مجال التعلمات،
§        العمل على بناء وترسيخ مواقف وأنماط سلوك إيجابية تتعلق بالمتعلمين،
§        تحديد الحيز الزمني الذي يمكنه أن يشد فيه اهتمام المتعلمين للموضوع بدرجة عالية،
§        اعتماد لغة تواصلية تناسب المتعلمين.
‌ج)    تبليغ الخطاب:
تعتبر مجموعة المتعلمين مجموعة مستمعة بامتياز. ولذلك فالتفاعل معها لابد أن يكون منهجا حتى يجعلها أكثر انتباها واهتماما بالموضوع. ويحدث ذلك حينما يكون الأستاذ قد الأسئلة المنهجية الموجهة لعمله وأجاب عنها. ومن هذه الأسئلة:
§        ما هو الهدف الذي أسعى لتحقيقه مع هذه المجموعة؟
§        ما هي الأفكار العامة والجزئية التي أعالجها في هذا اللقاء؟
§        كيف أنظم هذه الأفكار؟ ما هي المسلمات والإشكاليات التي أنطلق منها لمناقشة أفراد المجموعة؟
§        ما هي الحجج والأدلة التي أوظفها ترسيخا للأفكار التي أناقشها (حجج عقلية/منطقية، أمثلة شعبية، آيات قرآنية وأحاديث نبوية...)؟
§        ما هي المقاربات المنهجية التي أسلكها في التعامل؟
§        ما هي الدعمات الديدكتيكية المساعدة في العمل؟
‌د)     قياس وتقويم أثر الخطاب التواصلي:
إن استقبال الرسائل التعلمية خلال التواصل، ليس عملية استهلاكية، تقتصر على تلقي الخطاب من طرف المتعلمين دون معرفة وقعة في السلوك. ولذلك ينبغي على الأستاذ أن يقيس الأثر الذي أحدثته الرسائل التواصلية في المتعلمين ويتم ذلك بإيجاد إجابات عن أسئلة يطرحها على نفسه من مثل:
§        ما هي ردود أفعال المتعلمين في موضوع ما؟
§        لماذا كانت ردود الأفعال سلبية تجاه موضوع معين بينما كانت إيجيبية في موضوع آخر؟
§        لماذا لم يتجاوب المتعلمون مع مسألة معينة؟
وبالإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يستطيع الأستاذ أن يعيد النظر في بنية ومحتوى وطرائف التواصل، ويبني بشكل فعال سيرورة علاقته بالمتعلمين.


5.           الوضعيات التواصلية:
يتم التواصل بين الأشخاص في شكل محادثات (conversations) أفقية قد تحصر في أربعة أنماط، نوجزها في الجدول التالي:
نوع المحادثة
مجـالــهــا
محادثة تأثيرية
conversation d'effet
تنصب أساسا على الجانب الوجداني قصد التأثير فيه، ولذلك فهي ذاتية، لأن منطلقاتها تكون من الأستاذ (أفكاره، آرائه، قناعاته الشخصية، معلوماته...).
وقد يصاحبها عرض صور توضيحية لحالات معينة ويرتبط هذا النوع من المحادثات غالبا بالمواقف.
محادثة إخبارية
conversation d'information
ويتم فيها الالتزام بالموضوعية قصد الإمكان، مع تقديم كل عناصر الخبر وجوانبه، ويكون القصد من هذا النوع التواصلي تقديم رسائل إخبارية من مصادر متعددة، ويمس هذا النوع من المحادثات في غالب الأمر المعلومات.
محادثة تكوينية
conversation de formation
وفي هذا النوع من التواصل يقدم الأستاذ للمتعلمين تقنيات أو مناولات تتعلق بالموضوع ولذلك يتوجب على الأستاذ معرفة تامة.
- يمتلك كفايات في الموضوع،
- له منهجية في الإنجاز،
- لا يستغرق تقديمه حيزا كبيرا من الوقت.
محادثة ظرفية
conversation d'occation
وهي المحادثات التي تفرضها المناسبات العرضية دون تفكير سابق في الإعداد لها، ومنها: 
- استغلال حدث في الشارع.
- استغلال خبر في صحيفة.
- استغلال خبر في التلفزيون.
وهذا النمط التواصلي يفرض على الأستاذ امتلاك القدرة على المبادءة، واتخاذ المبادرة والارتجال. ولا يتأتى له ذلك إلا بالتدرب على المحادثة والمناقشة حتى يكون على استعداد لأخذ الكلمة في كل الظروف والمناسبات.
أن يجعل هذا النوع من المحادثات نقطة انطلاق لللقاءات مستقبلية مستمرة.
 وإذا كان عرض هذه الوضعيات قد تم بطريقة مجزأة، فإن بإمكان الأستاذ أن يجمع بين أكثر من وضعية واحدة خلال عملية التعلم.




[1]- Charles CCOLEY, social organisation, in «la communication anonyme». Editions universitaires. 1969, p.42.
[2] - Gilles Amado Guillet «la dynamique des communications dans les groupes» Ed. Armand Collin, 1975 p.4.